لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
39406 مشاهدة
1- الجمع بين النفي والإثبات من القرآن الكريم

[وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن؛ حيث يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1- 4].


الشرح
* قوله: (وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه... إلخ).
يشير شيخ الإسلام بذلك أن من صفات الله التي نؤمن بها ما تضمنته سورة الإخلاص وهي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فإنها اشتملت على النفي والإثبات.
ففي قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إثبات للإلهية، وإثبات للأحدية.
وفي قوله تعالى: اللَّهُ الصَّمَدُ إثبات الصمدية.
فهذا في الإثبات.
وفي قوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ نفي الولد والوالد عن الله تعالى.
وفي قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ نفي للكفؤ، وهو المكافئ.
فهذا في النفي.
فالحاصل أنها اشتملت على نفي وإثبات.
فالصفة الأولى: صفة الإلهية، ومعنى الإلهية: هي الاستحقاق للتأله، ومعنى ذلك أنك تألهه، أي: تحبه وتخضع له، وذلك يؤخذ من اسم الله؛ لأنه في الأصل الإله.
ولفظ الجلالة الله بمعنى: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، أي: المستحق لأن يألهوه، أي: يعبدوه.
الصفة الثانية: صفة الأحدية، فكونه أحدا بمعنى واحد، أي: هو الإله الواحد، فلا تجعلوا معه آلهة أخرى.
أي: لا تألهوا في قلوبكم أحدا غيره، أي: لا تحبوا غيره كحبه؛ وتتقربوا إليه كتقربكم إلى الله ونحو ذلك، بل الله سبحانه هو إلهكم وحده ، كما في قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة 163]. أي: هو المتفرد بالإلهية، وكقوله: وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ [المائدة: 73].
الصفة الثالثة: صفة الصمدية، والصمد: معناه الذي تصمد إليه القلوب، أو السيد الذي انتهى سؤدده؛ فهـو من أسماء الله تعالى التي تقتضي معاني، فنعتقد أن من أسماء الله الصمد، وأنه الذي تصمد إليه القلوب، وأنه السيد الذي انتهى في سؤدده، فهذا في الإثبات.
وأما النفي: فنعتقد أن الله لم يلد ولم يولد، أي: لم يكن له والد ولا ولد، وقد أكثر الله من نفي الولد؛ لأن المشركين جعلوا له ولدا.
كما في قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [الزخرف: 19]. وكما قال: أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ [الصافات: 149].
وقال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم: 88- 93].
فسبب نفي الله الولد عن نفسه هو أن المشركين جعلوا له ولدا، والله تعالى منزه عن ذلك، وهكذا النصارى قالوا: المسيح ابن الله، واليهود قالوا: عزير ابن الله في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: 30].
وقد حكى الله عن الجن أنهم قالوا: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا [الجن:3]. وقال: أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ [الأنعام: 101]. يعني: زوجة، فذلك كله تنزيه لله تعالى؛ لأن الولد غالبا يشبه أباه، والله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]. ؛ ولأن الولد يقوم مقام أبيه، ويعينه في ملكه، والله تعالى لا يحتاج إلى ذلك؛ لكمال قيوميته، فهو المتفرد بذلك جل وعلا.
وأما قوله: وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص: 3]. فهو يدل على أنه القديم الأول الذي لم يسبق بعدم، فليس له والد ولا ولد.
وأما قوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]. فإن الكفو: معناه المكافئ، والمساوي، والند، والنظير، والمثيل.
فالمعنى: أنه ليس لله تعالى مثيل، ولا شريك، ولا نظير أيا كان ذلك من الكفو، فهذا في النفي.
فإذا قرأت هذه السورة؛ فيجب عليك أن تعتقد عدة أمور:
الأول: ألوهية الله: يعني: أنه هو الإله الحق الذي يجب أن يفرد بالألوهية.
ثانيا: وحدانيته وتفرده بالألوهية، وأنواع العبادة.
ثالثا: سؤدده وصمديته، وهذه الثلاثة في الإثبات.
رابعا: أن تنزهه عن الولد والوالد.
خامسا: أن تنزهه عن الكفؤ يعني: المكافئ والمساوي، وهذان الأمران في النفي، فتجمع بين الإثبات والنفي.
فهذه السورة سورة عظيمة، حتى أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها تعدل ثلث القرآن يعني: في الفضل؛ لأن فضلها كفضل ثلث القرآن، وسميت سورة الإخلاص؛ لأنها أخلصت في إثبات الصفات لله تعالى، أو لأن من يؤمن بها ويعتقد بما دلت عليه يكون من المخلصين.